فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فسبحانه يقول: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافا} فعندما يبلغ اليتيم الرشد وقد تم تدريبه على حسن إدارة المال. وعرف الوصي أن اليتيم قد استطاع أن يدبر ماله، ومن فور بلوغه الرشد يجب على الوصي أن يدفع إليه ماله، ولا يصح أن يأكل الوصي مال اليتيم إسرافا. والإسراف هو الزيادة في الحد؛ لأنه ليس ماله، إنه مال اليتيم. وعندما قيل لرجل شره: ماذا تريد أيها الشره؟ قال الشره: أريد قصعة من ثريد أضرب فيها بيدي كما يضرب الولي السوء في مال اليتيم. أنجانا الله وإياكم من هذا الموقف، ونجد الحق يقول: {وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ}.
إن الحق سبحانه يحذرنا من الإسراف في مال اليتيم في أثناء مرحلة ما قبل الرشد، وذلك من الخوف أن يكبر اليتيم وله عند الولي شيء من المال أي أن يسرف الولي فينفق كل مال اليتيم قبل أن يكبر اليتيم ويرشد، والله سبحانه وتعالى حين يشرع فهو بجلال كماله يشرع تشريعا لا يمنع قوامة الفقير العادل غير الواجد. كان الحق قادرا أن يقول: لا تعطوا الوصية إلا لإنسان عنده مال لأنه في غنى عن مال اليتيم.
لكن الحق لا يمنع الفقير النزيه صاحب الخبرة والإيمان من الولاية.
ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى عن الولي: {وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} فلا يقولن أحد عن أحد آخر: إنه فقير، ولو وضعنا يده على مال اليتيم فإنه يأكله. لا، فهذا قول بمقاييس البشر، لا يجوز أن يمنع أحد فقيرا مؤمنا أن يكون وليا لليتيم؛ لأننا نريد من يملك رصيدا إيمانيا يعلو به فوق الطمع في المال؛ لذلك يقول الحق عن الوصي على مال اليتيم: إن عليه مسئولية واضحة.
فإن كان غنيا فليستعفف، وإن كان فقيرا فليأكل بالمعروف. وحددوا المعروف بأن يأخذ أجر مثله في العمل الذي يقوم به. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
في حتى هذه وما أشبهها أعني الداخلة على إذا قولان:
أشهرهما: أنَّها حرف غاية، دخلت على الجملة الشَّرطيَّة وجوابها، والمعنى: وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم، واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم، بشرط إيناس الرُّشد، فهي حرف ابتداء كالدَّاخلة على سائِرِ الجمل كقوله: [الطويل]
فَمَا زَالَتِ القَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا ** بِدجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دَجْلَةَ أشْكَلُ

وقول امرئ القيس: [الطويل]
سَرَيْتُ بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ ** وَحَتَّى الْجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بأرْسَانِ

والثاني: وهو قول جماعة منهم الزَّجَّاج وابن درُسْتَوية: أنَّها حرف جر، وما بعدها مجرور بها، وعلى هذا فإذا تتمحَّضّ للظَّرْفِيَّةِ، ولا يكون فيه معنى الشَّرط، وعلى القول الأوَّلِ يكون العامل في إذَا ما تَخَلَّص من معنى جوابها تقديره: إذا بلغوا النِّكاح راشدين فادفعوا. وظاهرُ العبارة لبعضهم أنَّ إذا ليست بشرطيَّة، لحُصُولِ ما بعدها، وأجاز سيبويه أن يجازي بها في الشِّعر، وقال: فعلوا ذلك مضطرين، وإنما جُوزي بها لأنَّها تحتاج إلى جواب، وبأنَّه يليها الفعلُ ظاهرًا، أو مضمرًا، واحتجَّ الخليلُ على عدم شَرطيَّتِها بحصولِ ما بعدِها، ألا ترى أنك تقول: أجيئك إذا احمر البُسر، ولا تقول: إن أحمر.
قال أبُو حيان: وكلامُه يُدلُّ على أنها تكون ظرفًا مجردًا، ليس فيها معنى الشَّرط، وهو مخالف للنَّحويين، فإنَّهم كالمجمعين على أنها ظرف فيها معنى الشِّرط غالبًا، وإن وُجِدَ في عبارةِ بعضهم ما يَنْفَى كونها أداة شرطٍ، فإنَّما أنها لا يجزم بها، إلاَّ أنها لا تكون شرطًا، وقَدَّرَ بعضهم مضافًا قال: تقديره يبلغوا حَدَّ النكاحِ أو وقته، والظَّاهرُ أنها لا تحتاج إليه، والمعنى: صَلَحوا للنكاح.
قوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ}. والفاءُ جواب إذا وفي قوله: {فادفعوا} جواب إن.
وقرأ ابن مسعود فإن أحستم والأصْلُ أحسسْتُم فحذف إحدى السّينين، ويحتمل أن تكون العينَ أو اللام، ومثله قول أبي زبيد: [الوافر]
سِوَى أنَّ الْعِتَاقَ مِنَ الْمَطَايَا ** حَسِينَ بِهِ فَهُنَّ إلّيْهِ شُوسُ

وهذا خلاف لا ينقاسُ، ونقل بعضهم أنَّها لغةُ سُلَيم، وَأنَّهَا مُطَّردة في عين كل فعلٍ مضاعفة اتصل به تاءُ الضَّمير أو نونه ونَكَّر رُشْدًا دلاّلةُ على التنويعِ، والمعنى أيّ نوعٍ حَصَلَ من الرُّشدِ كان كافيًا.
وقرأ الجمهور {رُشْدًا} بضمة وسكون، وابن مسعود والسُّلميُّ بفتحتين، وبعضهم بضمتين، وسيأتي الكلامُ على ذلك في الأعراف إن شاء الله تعالى. وآنس كذا أحسَّ به وشَعَرَ، قال: [الخفيف]
آنسَنْ نَبْأةً وَأفْزَعَهَا القُنْ ** نَاصُ عَصْرًا وَقَدْ دَنَا الإمْسَاءُ

وقد قيل: وجد عن الفراء.
وقيل: أبصر.
وقيل: رأيتم.
وقيل: آنست وأحسست ووجدت بمعنى واحدٍ.
وقال القرطبي: وأصْلُ الإيناس في اللُّغة الإبصار، ومنه قوله: {آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَارًا} [القصص: 29].
قال أهل اللُّغة: هو إصابة الخير، قال تعالى: {قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي} [البقرة: 256]، والغيُّ: هو العصيان: قال تعالى: {وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى} [طه: 121] يكون نقضيه هو الرشد، وقال تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97].
قوله: {وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا}.
في نصبهما وجهان:
أحدهما: أنهما منصوبان على المفعولِ من أجْلِهِ أي: لأجل الإسراف والبِدَارِ.
ونقل عن ابن عباس أنه قال: كان الأولياء يستغنمون أكل مال اليتيم، لئلا يكبر فينزع المال منهم.
والثَّاني: أنَّهما مصدران في موضع الحالِ أي: مُسْرِفينَ وَمُبادِرِينَ.
وبدارًا مصدرُ بادرَ والمفاعلة هنا يجوز أن تكون من اثنين على بابها، بمعنى أن الوليَّ يبادرُ ليتيم إلى أخْذِ مالهِ، واليتيمُ يُبَادِرُ إلى الكبر، ويجوز أن يكون من واحد بمعنى: أنَّ فاعل بمعنى فعل نحو: سافر وطارق.
قوله: {أن يكبروا}. فيه وجهان:
أحدهما: أنه مفعول بالمصدر أي: وبدارًا كبرهم، كقوله: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} [البلد: 14، 15] وفي إعمال المصدر المُنَوِّنِ الخلاف المشهور.
والثَّاني: أنَّه مفعول من أجله على حذف أي: مخافة أن يكبروا، وعلى هذا فمفعولُ بِدَارًا محذوف، وهذه الجملة النَّهْييَّةُ فيها وجهان:
أصحهما: أنها استئنافية، وليست معطوفةً على ما قبلها.
والثَّاني: أنَّها عطف على ما قبلها، وهو جوابُ الشرط بإن أي: فادفعوا ولا تأكلوها، وهذا فاسدٌ؛ لأن الشّرط وجوابه، مترتِّبان على بلوغ النِّكاح وهو معارضٌ لقوله: {وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ} فَيَلزَمُ منه سَبْقُه على ما ترتَّب عَلَيْهِ، وذلك ممتنع.
والمعنى: ولا تأكلوها يا معشرَ الأولياءِ إسْرافًا أي: بغير حقٍّ، وبدارًا أي: ومبادرة، ثم بَيَّنَ مَا يَحِلُّ لهم من مالهم فقال: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًا فَلْيَسْتَعْفِفْ} أي: فليمتنع من مال اليتيم فلا يرزؤه قليلًا ولا كثيرًا، والعفة الامتناع مما لا يحل.
قوله: {وكفى بالله حَسِيبًا}.
في كفى قولان:
أحدهما: أنَّها اسم فعل.
والثاني: وهو الصَّحيح- إنها فعلٌ، وفي فاعلها قولان:
الأول: وهو الصَّحيح أنَّهُ المجرور بالباء، والباء زائدة فيه وفي فاعل مضارعه نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} [فصلت: 53] باطِّراد فقال أبُو البقاء: زيدت لتدلَّ على معنى الأمر إذ التقدير: اكتف بالله، وهذا القول سبقه إليه مَكِي والزَّجاجُ فإنه قال: دَخَلَتْ الباءُ في الفاعل؛ لأن معنى الكلام الأمرُ أي: الباء ليست بزائدة، وهو كلامٌ غيرُ صحيح؛ لأنه من حيث المعنى الذي قدَّره يكون الفاعل هم المخاطبين، وبالله متعلّق به، ومن حيث كون الباء دخلت في الفاعل يكون الفاعل هو اللهُ تعالى، فيتناقض. وفي كلام ابن عطية نحو من قوله أيضًا فإنه قال: بالله في موضع رفع بتقدير زيادة الخافض، وفائدة زيادته تبيَّن معنى الأمر في صورة الخَبَرِ أي: اكتفوا بالله، فالباء تدل على المراد من ذلك، وفي هذا ما رُدَّ به على الزَّجَّاجِ، وزيادة جَعْلِ الحرف زائدًا وغير زائدٍ.
والثاني: أنَّه مضمر والتَّقديرُ: كفى الاكتفاء وبالله على هذا في موضع نصب؛ لأنه مفعول به في المعنى، وهذا رأي ابن السَّراج، وَرُدَّ هذا بأن إعمال المصدر المحذوف لا يجوز عند البصريين إلا ضرورة كقوله: [البسيط]
هَلْ تَذْكُرُونَ إلَى الدَّيْرَينِ هجْرَتَكُمْ ** وَمَسْحَكُمْ صُلْبَكُمْ رَحْمَانُ قُرْبَانًا

أي قولكم: يا رحمان قربانًا، وقَالَ أبو حيان: وقيل: الفاعِلُ مضمر، وهو ضمير الاكتفاء أي: كفى هو أيْ: الاكتفاء، والباء ليست زائدة، فيكون في موضع نصب ويتعلق أنذاك بالفاعل، وهذا الوجه لا يسوغ على مذهب البصريين، لأنه لا يجوز عندهم إعْمَالُ المصدر مضمرًا، وإن عني بالإضمار الحذف امتنع عندهم أيضًا لوجهين: حذف الفاعل، وإعمال المصدر محذوفًا وإبقاء معموله، وفيه نظرٌ؛ إذْ لقائل أن يقول: إذا قلنا بأن فاعل كفى مضمر لا نعلق بالله بالفاعل حتّى يلزم ما ذكر بل نعلقه بنفس الفعل كما تقدَّمَ.
وقال ابْن عيسى: إنَّما دخلت الباء في كفى بالله؛ لأنَّهُ كان يتصل اتَّصال الفاعل وبدخول الباء اتصل اتصالَ المضافِ، واتَّصال الفاعل، لأنَّ الكفاية منه ليست كالكفاية من غيره فضوعِفَ لفظها لمضاعفة معناها، ويحتاج إلى فكر.
قوله: {حَسِيبًا} فيه وجهان:
أصحهما: أنه تمييز يدلُّ على ذلك صلاحيَّة دخول مِنْ عليه، وهي علامة التمييز.
والثَّاني: أنه حال.
وكفى هاهنا متعدّية لواحد، وهو محذوف تقديره: وكفاكم الله.
وقال أبُو البَقَاءِ: وكفى يتعدَّى إلى مفعولين حُذِفَا هنا تقديره: كفاك اللهُ شرَّهم بدليل قوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله} [البقرة: 137] والظاهر أن معناها غيرُ معنى هذه.
قال أبو حيّان بعد أن ذكر أنها متعدية لواحد: وتأتي بغير هذا المعنى متعدية إلى اثنين كقوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله} [البقرة: 137] وهو محل نظر.
قال ابن الأنباري والأزهري: يحتمل أن يكون الحَسِيبُ بمعنى المحاسب، وأن يكون بمعنى الكافي، فمن الأول قولهم للرَّجل تهديدًا: حَسْبُهُ اللهُ، [ومعناه: يحاسبه] الله على ما يفعل من الظُّلم، ومن الثَّاني قولهم: حسبك الله، أي: كافيك الله وهذا وعيد سواء فسَّرنا الحسيب بالمحاسب، أو بالكافي. اهـ. بتصرف.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس {وابتلوا اليتامى} يعني اختبروا اليتامى عند الحلم {فإن آنستم} عرفتم {منهم رشدًا} في حالهم والإصلاح في أموالهم {فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافًا وبدارًا} يعني تأكل مال اليتيم مبادرة قبل أن يبلغ فتحول بينه وبين ماله.